هشاميات

الخميس، ٨ ربيع الأول ١٤٣٠ هـ

عند الله تجتمع الخصوم

المحكمة الجنائية الدولية أصدرت بالفعل قرارا بإلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير ومحاكمته .

صحيح أن البشير هو أول رئيس في التاريخ يُطلب القبض عليه وهو في منصبه ،لكنه ليس الأول في التاريخ الذي لم ولن يُحسن الرد.

إن من يملك قوة إشعال الحروب واحتلال الدول وارتكاب المجازر ، لا يعني أنه يملك الشجاعة التي تجعله يعترف بأخطائه ويطلب العفو من ضحاياه .

من يملك شجاعة الاعتراف؟

عبر التاريخ الحديث ... هتلر ، ستالين ، لينين ، ماوتسي تونغ ، ترومان ، ميلوسوفيتش ، صدام ، شارون ، اولمرت ، بوش ، بلير ، وغيرهم وغيرهم... لا أحد.

إنهم أجبن من أن يعترفوا بأنهم على رأس قائمة مجرمي العصر الحديث ، بما تسببوا فيه من دمار المدن وقتل الملايين . وكذلك الحال بشأن البشير ،حيث لا يمكن أن يتوقع أحد بأن يعترف بأنه اتخذ بعض السياسات أو القرارات التي تسببت بقتل واغتصاب وتشريد الملايين من أهل دارفور المسلمين.

لست أصدر أحكاما بالإدانة ، فأي متهم لا بد أن يدافع عن نفسه ، بل لست في مجال البحث ما إذا كان البشير ارتكب جرائم حرب أو لم يرتكبها ، مع أني لا أنسى موقفه الداعم للنظام العراقي بعد احتلال الكويت مطلع التسعينات مما أثار العديد من التساؤلات بشأن ادعاءاته بتبني النهج الإسلامي في الحكم .

لكن أين يد العدالة الدولية من الآخرين؟ إن مجرمي الحرب الذين لا تطالهم يد العدالة الدولية أكثر من الهم على القلب. شرذمة العصابات الصهيونية ترتكب جرائم حربها، علنا وعلى شاشات التلفزيون ، والعالم كله يرى ويعرف ذلك . الولايات المتحدة وعملاءها في العراق ارتكبوا من جرائم الحرب ما لا يستطيع أحد وصفه فضلا عن إحصاء عدد الضحايا. حتى في محاكمة صدام على جرائمه تجلت الروح الإجرامية الدنيئة لدى خصومه حيث نفذ حكم الإعدام صبيحة عيد الأضحى المبارك .

لم يكن الهدف هو العدالة بل إنها روح الانتقام والرغبة العاجلة المفضوحة لدفن أسرار الماضي الأسود المشترك بين صدام وجلاديه.

ما الفرق إذن؟ ولماذا يُلاحق البشير الآن؟

إنها الوقاحة .

وقاحة القوة ، ووقاحة التبرير ، بل إنها وقاحة الوالغ في دماء الأبرياء بالحديث عن القيم العليا، والحرب ضد الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان، وإعادة الإعمار ، ونشر الديمقراطية ، وحماية المدنيين الأبرياء.

إنها الحرب الإعلامية الضروس التي تقلب الحقائق وتغطي جرائم الحرب ، وتجعل الأسود أبيضا والحليم حيرانا. لقد قامت دولة الصهاينة في فلسطين على قائمة من الكذب والتزوير وقلب الحقائق ، وممارسة دور الضحية رغم أن جرائمها تتم تحت سمع العالم وبصره ، بل ودعمه وحمايته. لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا قياصرة أكثر من قيصر نفسه ، حيث أن بعض العرب والفلسطينيين تحديدا لم يكتفوا بالاعتراف بدولة "إسرائيل" بل صاروا أداة في يد الصهاينة من خلال التنسيق الأمني والاتفاقيات المشبوهة ، فضلا عن مطالبتهم للآخرين بالاعتراف بهذا الكيان اللقيط ، وتخوين من يرى غير ذلك ، فياله من زمن مليء بالعجائب.

المحكمة الدولية تتهم الرئيس السوداني بارتكاب جرائم حرب في دارفور المتنازع عليه وسقوط أكثر من ثلاثمائة ألف ضحية ، وحرق القرى ، ونزوح مليوني لاجئ وتعرض آلاف النساء للاغتصاب.

لكن هل ننسى ما قام به العديد من طغاة هذا العصر من خلال حروبهم المتوالية ودعمهم للإرهاب في قائمة تطول.

وفي غزة لم تجف دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين بعد ارتكاب الصهاينة مجازر أليمة ، امتدادا لمجازرهم طوال الستين عاما الماضية ، والتي جعلت شرفاء العالم يطالبون بمحاكمة دولية لقادة بني صهيون .

أما أمريكا وما أدراك ما أمريكا، زعيمة العالم الحر ، نعم .. زعيمته في جلب المصائب أينما حلت.

أمريكا المتشدقة بنشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لم تنشر سوى الدمار وأسلحة الدمار الشامل وثقافة أبو غريب وغوانتانامو.

أمريكا التي قمعت انتفاضة الدومينكان واحتلتها عام 1916م لمدة ثمانية أعوام ، والتي قصف عام 1945م مدينة درسدن الألمانية وتسببت بقتل مائة وخمسون ألف شخص مدني، وتدمير أكثر من نصف المدينة.

أمريكا التي ألقت عام 1945م قنبلة ذرية على هيروشيما اليابانية أودت بحياة ثمانين ألف شخص غير الجرحى المشوهين ، والتي ألقت بعدها القنبلة الذرية الثانية على ناكازاكي اليابانية أفنت أربعة وسبعين ألف شخص وستين ألف جريح .

أمريكا التي قتلت مئات الآلاف من الصينيين والكمبوديين ، وما يقارب مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية ، خلافا لحرب فيتنام التي تسببت بقتل مائة وستين ألف شخص ، وجرح سبعمائة ألف شخص آخرين ، واغتصاب ثلاثين ألف امرأة ، فضلا عن جرائم التعذيب ونزع الأحشاء والحرق حتى الموت ومهاجمة القرى بالمواد الكيماوية السامة.

أمريكا التي قصفت هانوي وتسببت بإصابة ما يقارب من ثلاثين ألف طقل بالصمم الدائم وقتلت في غواتيمالا أكثر من مائة وخمسين ألف مدني .

أمريكا التي قامت من خلال حربها الإجرامية والجرثومية الشاملة الشرسة بقتل ما يقارب مائة مليون من الهنود الحمر مما تسبب بشبه فناء للسكان الأصليين ، فضلا عن عمليات التهجير القسري الذي أدى موت الكثير منهم خلال رحلة العذاب الشاقة ، والتي سميت تاريخيًا برحلة الدموع .

أمريكا التي أشعلت العديد من الحروب الأهلية ودعمت أونفذت العديد من الانقلابات العسكرية مثل غواتيمالا وليبيا وباكستان ، وارتكبت المجازر بالصومال ، وقصفت السودان ، وأبادت الجيش العراقي المنسحب من الكويت في حرب الخليج ، وحاصرت العراق أكثر من عشرة أعوام قتل خلالها أكثر من مليون طفل عراقي، واحتلت أفغانستان ثم العراق بعد حرب إجرامية مرعبة أشعلت بعدها حربا أهلية طائفية شرسة .

حتى طريقة القتل عند أمريكا عدوة الإنسانية تعبر عن وحشية بربرية فهم يصبون وابلاً من أطنان القنابل المرعبة على الأبرياء فضلا عن تدمير مئات الطائرات لطوكيو ، بإسقاط القنابل الحارقة ، غير القنبلتين النوويتين اللتين أحرقت البشر حتى الموت، وأذابت الهياكل المعدنية، بالإضافة إلى قصف حوالي 64 مدينة يابانية بالقنابل .

هل تمت محاكمة ترومان الذي قال بعد تلك المجزرة التاريخية :"العالم الآن في متناول أيدينا" فأي عالم يقصد؟ العالم الحر؟ تبا له ولكل مجرم حقير مثله.

من يحاكم آل بوش على مجازرهم البشعة في حرب الخليج بعد إلقاء متفجرات الضغط الحراري التي تزن ألفا وخمسمائة رطل ، وإلقاء أربعين طنا من اليورانيوم المنضب ، وما يقارب سبعين ألف قنبلة حارقة قتلت ثمانية وعشرين ألف عراقي .

من يحاكم قادة أمريكا التي تسهم بقتل الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان بالسلاح الأمريكي. ثم أين الإنسانية المزعومة في التعامل مع أسرى الحروب بطريقة تخالف كل الأديان والشرائع والقيم الإنسانية والمعاهدات الدولية ، من خلال ممارسة أنواع الإرهاب المنظم ، والتحطيم والتشفي ، بل حتى السخرية من جثث القتلى منهم ، بالتصوير معهم أو بالادعاء الكاذب بانتحارهم .

لا لعدالة البشر ..

نعم لعدالة السماء ..

فللكون رب عادل ..

تجتمع عنده الخصوم .



التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]



<< الصفحة الرئيسية