هشاميات

الأربعاء، ٦ ربيع الأول ١٤٣٢ هـ

رؤية شرعية في المظاهرات



يتساءل الكثيرون عن مشروعية المظاهرات ، وهل هي من صور الخروج على الحاكم؟ وقد وقفت على دراسة قيمة للشيخ علوي السقاف يوضح من خلالها الموقف بأن منهج أهل السنة والجماعة واضح في تحريمه الخروج على الحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله، وقد أقام في المسلمين الصلاة، ولم يروا منه كفراً بواحاً ، ولو جار أو ظلم، لحديث: (ما أقاموا فيكم الصلاة) رواه مسلم، ولحديث: (إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان) رواه الشيخان.
وأما من لم يحكم بشريعة الله ، وأظهر الكفر البواح ؛ فقد أجاز العلماء الخروج عليه بشرط القدرة حتى لا تُسفك دماءٌ معصومة، وتزهق أرواحٌ بريئة، قال الإمام ابن باز رحمه الله: (لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين، أحدهما: وجود كفر بواح عندهم من الله فيه برهان. والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالة لا يترتب عليها شرٌ أكبر منه) (مجموع فتاوى ابن باز) (8/206)
وأوضحت الدراسة بأن تسمية المطالبات بالحقوق الدينية والدنيوية خروجاً فيه نظر ، فهذه المطالبات الجماعية السلمية حديثة على العالم الإسلامي، ولا يُعرف لها مثيل في تاريخ المسلمين، والمستجدات العصرية في وسائل التغيير والتعبير لا ينبغي إغفالها وإهمالها، طالما لم يرد نصٌّ بإلغائها وإبطالها، ومطالبة الإنسان بحقوقه الدينية والدنيوية أمر مشروع في الأصل.
وتتأكد هذه المشروعية إذا كان مانع الحقوق يجاهر بمحاربة الدين صباح مساء ويعلن أن نظامه نظامٌ علماني، ويفضل القانون الوضعي على شريعة رب العالمين.
وقد يستشكل البعض مشروعية هذه المطالبة مع ما قد يحصل معها من فوضى وشغب، وربما تُسفك بسببها دماء، ولا شك أن هذه مفاسد لكنها قد تُحتمل مقابل المصالح العظيمة التي تحصل من تغيير أحوال الشعوب الدينية والدنيوية إلى حال أحسن مع التأكيد على عدم جواز ارتكاب أي من هذه المفاسد، وأن تكون المطالب سلمية.
وخلصت الدراسة إلى أهمية أن يُعلم أن ما يصلح في بلد قد لا يصلح في بلد آخر، إذا كانت مفسدة المطالبة فيه أعظم من السكوت عنها ،مثل اليمن، أهله مسلَّحون، وفيه قبائل متناحرة، وتنظيمات مسلحة لها حسابات خاصة، ومطالبات انفصالية في أجزاء منه ، وقد لا يكون من المصلحة قيام ثورات فيه، لمظنة وقوع هرج ومرْج وفساد عريض ، ففي مثل هذه الحالات التي يغلب على الظن أن تؤدي المطالبات الجماعية فيها إلى حالٍ أسوأ فلا تجوز، لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وخلاصة الأمر أن هذه المطالبات الجماعية تختلف من بلد إلى آخر، والحكم عليها خاضعٌ للنظر في المصالح والمفاسد.
وعموما فإن زوال طاغية محارب لدين الله مما يثلج صدور المؤمنين لاسيما إذا لم يُتيقن مجيء من هو أسوأ منه ، ولاشك أن الأمة إذا تخلصت من أمثال هؤلاء وبدأت تستعيد فيها حقوقها الدينية والدنيوية فإن كل من سيأتي بعدهم سيحسب لمثل هذه المواقف ألف حساب، وهذا وحده مصلحة غالبة الظن.
المرجع

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]



<< الصفحة الرئيسية